كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعلى هذا النحو جرى الوارد في سورة الروم فإنه ورد قبل الآية قوله تعالى: {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات} فذكر من آياته وإنعامه بإرسال الرياح وإجراء الفلك ليبتغى فضله ويطلب الرزق منه حال الظعن والإقامة ثم اعترض بقوله تأنيسا لرسوله ووعدا بنصره: {ولقد أرسلنا من قبله رسلا إلى قومه فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين} ثم عاد الكلام إلى إتمام ما تقدم مما يرسل سبحانه به ولا جله الرياح فقال بصورة الاستئناف لأجل آية الاعتراض: {الله الذي يرسل الرياح} وأورد من النعم بها ما ذكر قبل وجاء بلفظ الاستقبال لأنه من تتميم ما تقدم وليناسبه ولو جاء بلفظ الماضى لما ناسب والله أعلم.
وأما آية الفرقان فقد تقدمها قوله تعالى: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا} فورد قبلها ذكر هذه الدلالات وواضح هذه الشواهد وقد تقيد زمان خلقها بالماضى في خمس كرات مع أنها مما يتكرر في الآيات ويتوالى وكذا في مطلع السورة وما وقع بعده مما يعتبر به وليس بإخبار أخراوى فأتبع سبحانه ذلك بموافق مناسب فقال: {وهو الذي أرسل الرياح نشرا} ولم يكن ورود المستقبل هنا ليناسب فجاء على ما يجب.
وأما آية سورة الملائكة فمبنية على مطلع السورة وذلكم قوله تعالى: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة} و{فاطر}و {جاعل}هنا بمعنى المضى ولا يمكن فيهما غير ذلك ولم يقع بعد هذا ذكر مقصود به الاعتبار من مخلوقاته سبحانه مما نصبه دالا عليه إلا قوله: {الله الذي أرسل الرياح} فجاء ذلك مناسبا لقوله: {فاطر السماوات والأرض} و{جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة} لموافقة الفعل الماضى اسم الفاعل معنى ومناسبته ولا يناسبه المستقبل وأما ما وقع بين الآية وبين ما بنيت عليه مما ذكرنا فليس من قبيل المذكور فيه ما نصبه سبحانه دليلا للاعتبار لذوى الافتكار كخلق السماوات والأرض وإرسال الرياح فهذه المذكورات الثلاث هي المقصودة هنا للاعتبار.
أما قوله: {يزيد في الخلق ما يشاء} إلى ما بعده إلى آية إرسال الرياح مع جليل إلتحامه بما اتصل به فليس من قبيل ما ذكرناه ولا يمنع من حمل الآية المتكلم فيها على نحو ما ذكر وجملها عليه ولا يناسب المستقبل هنا ما تقدمه مما بينا حمله عليه وأنه لا يصح حمله على غير ما ذكر والله أعلم بما أراد.
والجواب عن السؤال الثانى: إن آية الأعراف قد تقدمها قوله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض} ثم قال: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} وقال: {وادعوه خوفا وطمعا} ثم قال: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} وفى هذا كله استلطاف وتعطف ترج ومن نحو هذا الاستلطاف ومجاريه في قوة الترجى قوله سبحانه في سورة الفرقان: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا...} الآية، ثم قال: {هو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا} فهذا أعظم استلطاف فناسب الوارد في السورتين من هذا قوله تعالى عقب إرسال الرياح قوله: {نشرا بين يدى رحمته} ولما يرد في سورة الروم ولا في سورة الملائكة مثل ذا الاستلطاف ولا بعضه لم يتبع ذكر إرسال الرياح بما اتبع في آيتى الأعراف والفرقان إذ لم يكن ذلك ليناسب فجاء كل على ما يجب ويناسب والله أعلم.
والجواب عن السؤال الثالث: أن آية الأعراف لما قيل فيها: {فأخرجنا به من كل الثمرات} فعم بكل وهى من نصوص ألفظ العموم ناسب ذلك ورود ما يفهم كثرة ماء السحاب إذ لا يحصل منه إخراج ما يقدر إخراجه من كل الثمرات الا بكثرته فذكر استقلال السحاب الكثير وهو الذي يعطيه قولا {ثقالا} وانما تثقل بكثرة مائها وذلك يثقلها ولا يكون استقلالها بما يثقلها من الماء الا بعد إشارتها فكأن قد قيل: أثارت الرياح السحب فأثقلتها بالماء الكثير فناسب هذا كله ولم يكن مجرد ذكر إثارة السحاب ليعطى كثرة مائها وتكثير الثمر المخرج به مع أن الإثارة مفهومة فحصل في هذا النظم العلى الإيجاز والوفاء بالتوسعة والتعميم المقصود ولما لم يقع في الآى الأخر توسعة في المخرج بالماء وقع الاكتفاء بذكر إثارة السحاب وحصل إرسالها الماء مما بعد.
فإن قلت: فقد ورد في سورة الملائكة: {فأحيينا به الأرض بعد موتها} وذلك تعميم ومع ذلك فقد وقع الاكتفاء فيها بقوله: {فتثير سحابا} قلت لفظ الأرض لا يعم في كل موضع إذ ليس من ألفاظ العموم بدليل قوله تعالى: {إن فرعون علا في الأرض} وهو لم يستول إلا على بعضها وبدليل قوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض} وبالجملة فليست الألف واللام هنا للعموم ولا هي حيث تفهم العموم بمنزلة كل وطرأ وأجمعين ولا نزاع في هذا فالاكتفاء في سورة الملائكة بذكر الاثارة فقط بين.
وأما سورة الروم فليس فيها عموم بل فيها خصوص حاصل من التقييد بقوله: {فإذا أصاب له به من يشاء من عباده}، والاكتفاء فيها بذكر إثارة الرياح السحاب أبين شيء فجاء كل على ما يناسب ولا يمكن خلافه.
ولم يرد في سورة الفرقان ذكر إثارة الرياح السحاب اكتفاء ببشارة قوله: {بين يدى رحمته} لأنه قصد هنا ذكر الإنعام ولم ينط بذلك ما يقصد به امتداد الاعتبار ألا ترى قوله قبل الآية: {وهو الذي جعل لكم الليل لباسا وجعل النهار نشورا} فقصد ذكر الإنعام ثم الاعتبار جار مع ذلك ثان عن المقصود من ذكر الإنعام فلم يذكر الا بادئ الإنعام، فجاء كل على ما يناسب ولا يمكن خلافه والله سبحانه أعلم.
والجواب عن السؤال الرابع: وهو الفرق بين ما في الأعراف وسورة الملائكة من سوق الرياح السحاب إلى البلد الميت وما في سورة الروم من قوله: {فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا} بزيادة ذكر سوقه إلى بلد ميت في آيتى الأعراف والملائكة وسقوط ذلك في سورة الروم مع زيادة بيان حال السحاب وانتشارها في السماء وتقطيعها لانبعاث المطر فيقول السائل: إن كان الكلام مقصودا به قصد الإطالة فلم يرد فيها الوارد في الأخريين من قوله: {فسقناه إلى بلد ميت} وإن كان قد قصد به الإيجاز فلم ورد هذا الإطناب هنا بما بسط من حال السحاب؟
والجواب عن ذلك: ان الآيات الثلاث محرزة أجل إيجاز وأبلغه، وان آية الروم لم يسقط منها شيء من التعريف بسوق السحاب إلى البلد الميت وإنما الحاصل على ما زيد فيها من بيان حال السحاب ما قصد من تحريك المعتبر وتنبيهه على ما فيه أعظم دلالة وأوضح برهان، ألا ترى تقديم قوله: {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته} وجليل موقع هذه الاستعارة وقوله: {ولتجرى الفلك بأمره} ثم أشير إلى تسخير الفلك بقوله: {ولتبتغوا من فضله} فقد ورد هنا تعداد نعم جليلة فلما عاد الكلام إلى ارسال الرياح وذكر إثارتها السحاب اتبع ذلك بما يناسب فقال تعالى: {يبسطه في السماء كيف يشاء}والإشارة إلى ما تؤمه السحاب ببسطه سبحانه إياها فتوارى من أقطار الأرض وجهاتها ما يشاء سبحانه إحياءه وسقيه ويجعلها سبحانه كسفا أي قطعا متخلخلة لنفوذ ما تحملت من الماء فينبعث الماء من تلك المسام كانبعاث العرق من مسام الأجساد: {فترى الودق يخرج من خلاله} وبحسب ما حملها سبحانه أو ثقلها من الماء يكون المرسل عنها في الكثرة وما دونها: {فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون} فلما انبنت هذه الآية على ما قصد من زيادة التنبيه وتوفيه الاعتبار خصت بما لم يقع في آيتى الأعراف والملائكة وإنما لم يذكر هنا سوقها للبلد الميت لحصول ذلك من قوله بعد: {فتنظر إلى أثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها} فلو قيل أولا: {فسقناه إلى بلد ميت} لكان تكرارا فإذا تأملت ما ذكرناه وعظيم التنبيه مع جليل الإيجاز بحسب ما قصد وعلى البلاغة وموجب المزيد في آية الروم وما يستدعيه المكتنفان لهما من قوله قبلها: {ومن آياته أن يرسل الرياح} وقوله بعدها: {فانظر إلى أثر رحمة الله...} الآية وتحريك المعتبر ولم يذكر ذلك في الأخريين ويتبين لك أنه لم ينقص منها شيء وإن كلا منها وارد على ما يجب ولم يكن ليناسب خلافه والله أعلم.
والجواب عن السؤال الخامس: أن قوله في الأعراف: {سقناه لبلد ميت} وفى سورة الملائكة: {فسقناه إلى بلد ميت} لفارق بين الموضعين هو أن قوله تعالى في الأعراف: {حتى إذا أقلت سحابا ثقالا} كلام يستدعى جوابا ألا ترى أنه في قوة قول القائل: فلما استقلت السحاب بما فيها من الماء ومثل هذا في استدعاء الجوابية لا توقف فيه وليس مما يجاوب بالفاء وإنما جواب ذلك مثل هذا مجردا فيه الفعل عن الفاء وغيرها قال تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف} فالجواب هنا قوله: {جاءتها ريح عاصف} وقال تعالى: {فلما جاءتهم ما عرفوا كفروا به} ومنه آية الأعراف المذكورة لا مدخل فيها للفاء لا التي تقع جوابا ولا العاطفة إذ ليس قوله تعالى: {فسقناه لبلد ميت} معطوفا على ما قبله أما قوله تعالى في سورة الملائكة: {الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها} فكلام معطوف بعضه على بعض بالفاء المقتضية الترتيب والتعقيب ليطابق اللفظ ما تحته من المعنى فلزمت الفاء هنا لاحتراز معناها وقد تقرر انها لا مدخل لها في آية الأعراف فورد كل على ما يجب ولما استدعى لفظ {سقناه} المكان المسوق إليه وإنما يصل إليه بلام الجر أو بإلى عدى في الإعراب بلام الجر فقيل {لبلد} ليناسب المجرور فعله الذي استدعاه في الوجازة ولما طال الفعل في الآية الأخرى بما لزمه من حرف التعقيب ناسبه تعديته بإلى إسهابا وإيجازا مقابل إيجاز وأما آية الروم ففيها زيادة التعريف بكيفية انفصال الماء من السحاب وانه يخرج من خلاله مقسطا على الأرض مجزءا ليستوى اليقى ويتناسب كسريان الغذاء في الأبدان بعد تهيئته ولو صب من جانب دون ما أشار إليه التخلل لأضر ولم تحصل به المنفعة وهو زيادة في الاعتبار وإطلاق على عظيم الحكمة زكل هذه الآى متلائمة متعاضدة لا تعارض فيها ولا إشكال وقد تضمن هذا الجواب أجوبة عن مواضع من هذه الآى وقوله في الأعراف: {فأخرجنا به من كل الثمرات} مناسب لقوله: {حتى إذا أقلت سحابا ثقالا} لما تقدم ما يشير إلى كثرة مائها ناسبه التعريف بكثرة ما يخرج سبحانه به من مختلف الثمرات ولما قصد في آية الفرقان سقى الحيوان العاقل وغير العاقل ناسبه ما تقدم من وصف الماء بالطهورية والطيب وقد حصل إخراج الثمرات بقوله لنحيى به بلدة ميتا وأما قوله في سورة الروم: {فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم مستبشرون} فجار مع قوله قبل الآية: {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات} لما ذكر سبحانه إرسالها مبشرات اتبع ذلك ما به البشارة وهو الودق المرسل من السحاب المشار بها والاخبار بمن المبشر بها وهو من يشاء تخصيصه من عباده بتلك الرحمة فأوضح آخر الآية المجمل قبلها وحصلت ما قصد بها على أكمل تناسب وأما قوله في سورة الملائكة: {فأحيينا به الأرض بعد موتها} فمبنى على قوله: {يأيها الناس إن وعد الله حق} والمراد بهذا العودة الأخراوية فأرى سبحان مثالا يوضحها لمن تدبر وعقل فقال تعالى: {سقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها} ثم قال: {كذلك النشور} والآى قبلها لم يتقدمها مثل ما تقدم هذه من تحريك الخلق وتخويفهم بالوعد الأخراوى فلم تعقب بمثل ما أعقبت به من هذه من تحرير التشبيه وان كان في أكثرها التشبيه على إحياء الموتى ولكنه ليس كالواقع هنا.
والجواب عن قوله في سورة الأعراف: {كذلك نخرج الموتى} أنه مقابل بقوله: {فأخرجنا به من كل الثمرات} ولم يرد هكذا في سائر الآيات أعنى التعبير بلفظ الإخراج لما ينبت المطر وما يخلق سبحانه في الأرض ولما ورد في سورة الملائكة قوله سبحانه: {فأحيينا به الأرض بعد موتها} قوبل تشبيها بقوله: {كذلك النشور} ولم يكن ليتحر المراد لو قيل: كذلك الإحياء ولو قيل: كذلك إحياء الموتى لاجتمع فيه الطول مع مخالفة الفواصل فيما قبل الآية وما بعدها، ألا ترى قوله تعالى: {ولا يغرنكم بالله الغرور} قوله بعد الآية: {ومكر أولئك هو يبور} وما تخلل الآيتين وما ورد بعدها ثم إن النشور هو إخراج الموتى وإحياؤهم مع أنه أوجز وأطبق للفواصل فجاء كل على ما يناسب واما سائر الآي فلم تبن على قصد التشبيه ولا جرى فيها ذلك فوقع الاكتفاء فيها بمجرد الإيماء والإحالة على غير طريقة التشبيه.
والجواب عن تعقيب آية الأعراف بترجى التذكير من قوله: {لعلكم تذكرون} مناسب لقوله: {فأحيينا به من كل الثمرات} لأن الماء المنزل من السماء واحد لا يختلف وان اختلفت أحواله في الكثرة والقلة وطول زمن الانزال وقصره فالمذاق والطعم والصفة لا تختلف والمخرج به بإذن الله من ضروب الثمرات مختلف في الطعم واللون والرائحة إلى غير ذلك من صفاته قال تعالى: {تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل} ففى هذا أعظم عبرة لمن استبصر وأدل دليل على القدرة التي تجل عن الحد والغاية وأعظم شاهد على إحياء الموتى فلهذا أعقبت برجاء التذكير فقيل: {لعلكم تذكرون}. اهـ.